صعيدي كلام في كلام

أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه 829894
ادارة المنتدي أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه 103798

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صعيدي كلام في كلام

أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه 829894
ادارة المنتدي أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه 103798

صعيدي كلام في كلام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه

    Abohamada
    Abohamada
    المدير العـام
    المدير العـام


    دوله : egypt
    عدد المساهمات : 398
    نقاط : 1244
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 27/08/2011

    أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه Empty أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه

    مُساهمة من طرف Abohamada الخميس سبتمبر 01, 2011 11:54 am

    [b]أسباب عذاب القبر
    والأسباب المُنجية منه

    إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من
    شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى
    له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده
    ورسوله.....

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
    تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (سورة آل عمران: 102)

    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن
    نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً
    كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ
    وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (سورة النساء:
    1)

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
    سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
    ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
    عَظِيمًا } (سورة الأحزاب:70،71)

    أما بعد...،
    فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالى- وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها، وكل
    محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


    س: مـا هـي أسـبــاب عـذاب الـقـبـر؟
    قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
    فجوابها من وجهين: مجمل ومفصَّل:
    أما المجمل: فإنهم يعذبون على جهلهم بالله وإضاعتهم لأمره وارتكابهم
    لمعاصيه، فلا يُعذِّب الله روحاً عرفته وأحبته وامتثلت أمره، واجتنبت نهيه،
    ولا بدناً كانت فيه أبداً، فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله
    وسخطه على عبده. فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب ومات على
    ذلك، كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه. فمستقل ومستكثر
    ومصدق ومكذب.

    وأما الجواب المفصل: فقد أخبر النبي عن الرجلين اللذين رآهما يعذَّبان في
    قبورهما يمشي أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراء من
    البول....."

    ـ فعذاب القبر من معاصي القلب والعين والأذن والفم واللسان والبطن والفرج واليد والرجل والبدن كله.
    ـ فالنمَّام، والكذَّاب، والمُغتاب، وشاهد الزور، وقاذف المُحصن، والداعي
    إلى البدعة, والقائل على الله ورسوله ما لا علم له به، والمُجازف في كلامه،
    وآكل الربا، وآكل أموال اليتامى ظلماً، وآكل السُحتِ من الرشوة، وآكل مال
    أخيه المسلم بغير حق أو مال المعاهد بغير حق, وشارب المُسْكِر، وآكل لقمة
    الشجرة الملعونة (الحشيش)،
    والزاني، واللوطي، والسارق، والخائن، والغادر، والمخادع، والماكر، وآخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهداه، والمُحلِّل والمُحلَّل له.
    والمحتال على إسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه، ومؤذي المسلمين ومتتبِّع
    عوراتهم، والحاكم بغير ما أنزل الله، والمفتي بخلاف ما شرعه الله، والمعين
    على الإثم والعدوان، وقاتل النفس التي حرم الله، والمُلحد في حرم الله،
    والمُعطِّل لحقائق أسماء الله وصفاته الملحد فيها، والمقدم رأيه وذوقه
    وسياسته على سنة رسول الله
    والنائحة والمستمع إليها، ونواحي جهنم وهم المغنون الغناء الذي حرمه الله
    ورسوله والمستمع إليهم، والذين يبنون المساجد على القبور يوقدون عليها
    القناديل والسُرج، والمُطفِّفُون في استيفاء مالهم إذا أخذوا، وهضم ما
    عليهم إذا بذلوه، والجبَّارون، والمتكبرون، والمراءون، والهمَّازون
    واللمَّازون، والطاعنون على السلف.
    والذين يأتون الكهنة والمُنجِّمـين والعرَّافين فيسألونهم ويصدقونهم،
    وأعوان الظلمة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، والذي يفتخر بالمعصية
    ويتكثر بها بين إخـوانه وأضرابه وهو المُجـاهر،
    والذي لا تأمنه على مالك وحرمتك، والفاحش اللسان البذئ الذي تركه الخَلْقُ
    اتِّقاء شرِّه وفُحشه، والذي يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها وينقرها ولا يذكر
    الله فيها إلا قليلاً، ولا يؤدِّي زكاة ماله طيبة بها نفسه، ولا يحج مع
    قدرته على الحج، ولا يؤدِّي الحقوق مع قدرته عليها، ولا يتورع من لحظة ولا
    لفظة ولا أكلة ولا خطوة، ولا يبالي بما حصَّل المال من حلال أو حرام، ولا
    يصل رحمه، ولا يرحم مسكيناً ولا أرملة ولا اليتيم ولا الحيوان البهيم، بل
    يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، ويـرائي العـالمين، ويمنع المـاعون,
    ويشتغل بعيوب النـاس عن عيبه، وبذنـوبهم عن ذنبه،

    ـ فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسب كثرتها وقلتها
    وصغيرها وكبيرها، ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين
    والفائز منهم قليل، فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب،... ظواهرها
    بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات. وفي باطنها الدواهي والبليات. تغلي
    بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها. ويحق لها وقد حيل بينها وبين شهواتها
    وأمانيها.
    (الروح صـ 103 – 106 بتصرف)

    وقال القرطبي ـ رحمه الله ـ في التذكرة صـ 146:
    قال أبو محمد عبد الحق: أعلم أن عذاب القبر ليس مختصاً بالكافرين ولا
    موقوفاً على المنافقين، بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين وكل على حاله من
    عمله وما استوجبه من خطيئته وزلاته، والأدلة على أن المؤمن قد يُعذَّب في
    قبره بسبب ذنوبه الكثيرة. أهـ
    ومن هذه الذنوب:
    (1) الشرك بالله والكفر به:
    فمن أعظم أسباب عذاب القبر الإشراك بالله، قال تعالى:
    {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ
    بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ
    عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ
    وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } (الأنعام: 93 )
    وذلك أن الكافر إذا احتضر بَشرَّته الملائكة بالعذاب والنكال والأغلال
    والسلاسل والجحيم وغضب الرحمن الرحيم، فتفرق روحه في جسده وتعصى وتأبى
    الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم: {...
    أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ...}(
    الأنعام:93)
    (تفسير ابن كثير: 2/156)
    وقال تعالى عن آل فرعون:
    {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ
    السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر: 46)
    فالمراد بالنار هنا: عذاب القبر ونيرانه؛ لأن الله U قال بعدها:
    {... وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } (غافر: 46)
    وأخرج البخاري ومسلم عن أبي أيوب قال:
    "خرج النبيr وقد وجبت الشمس فسمع صوتاً فقال: يهودٌ تُعذَّب في قبورها".
    وأخرج الإمام مسلم عن زيد بن ثابت قال:
    "قال أبو سعيد ولم أشهده من النبي في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن
    معه إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أَقْبُرٌ ستة أو خمسة أو أربعة فقال: من
    يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا. قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا
    في الإشراك. فقال:" إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا
    لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه، ثم أقبل علينا بوجهه
    فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال:
    تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال:
    تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما
    ظهر منها وما بطن. قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله
    من فتنة الدجال".

    (2) الـنِـفَــاق:
    إن المنافقين أشد خطراً على الإسلام من الكفار الذين يجهرون بعدواتهم
    للإسلام وأهله.... فهم الذين يشعلون نار الفتنة بين المسلمين ويهدمون جدار
    الإسلام – باسم الإسلام –؛ ولذلك فإن الله يُشعل قبورهم ناراً كما أشعلوا
    نيران الفتنة بين المسلمين.
    قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ
    أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ
    نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ
    عَظِيمٍ } (التوبة: 101)، أما قوله تعالى: {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ}
    قال قتادة والربيع بن أنس: إحداهما في الدنيا والأخرى هي عذاب القبر.
    وفي بعض أحاديث- سؤال الملكين- جاء التصريح بأن المنافق يُعذَّب في قبره،
    قال وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون قولاً، فقلت مثله، لا أدري،
    فيقولان:
    قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف
    أضلاعه، فلا يزال فيها مُعذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك"
    (السلسلة الصحيحة: 1391)
    وفي رواية عن أنس: "وأما الكافر والمنافق فيقال له:...... " الحديث
    وفي حديث أسماء: "وأما المنافق أو المرتاب فيقال له:......... " الحديث
    وفي حديث أبي هريرة t: "وإن كان منافقاً قال:...... " الحديث
    وفي حديث جابر: "وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أصحابه....." الحديث
    وأخرج البخاري ومسلم عن أنس قال رسول الله r:
    "وأما المنافق أو الكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا
    أدري، كنت أقول ما يقول الناس. فيقال له: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطراق
    من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين"
    قال الحافظ كما في فتح الباري (3/339): قوله: " كنت أقول ما يقول الناس" في
    حديث أسماء: "سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته" وكذا في أكثر الأحاديث قوله:
    "لا دريت ولا تليت" كذا في أكثر الروايات قال ثعلب: قوله: "تليت" أصله
    "تلوت": أي لا فهمت ولا قرأت القرآن، والمعنى: لا دريت ولا اتبعت من يدري،
    وإنما قاله بالياء لمؤاخاة "دريت".
    قوله: "من يليه" قال المُهَلَّبُ: المراد الملائكة الذين يلون فتنته، كذا قال: ولا وجه لتخصيصه بالملائكة، فقد ثبت أن البهائم تسمعه.
    (3) الإعراض عن ذكر الله:
    قال تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: 124)
    عن أبي سعيد في قوله: {مَعِيشَةً ضَنكاً} قال: يُضيَّق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه.
    وعن أبي هريرة عن النبي r في قوله تعالى: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} قال: (عذاب القبر)
    (رواه البزار، وقال ابن كثير: إسناده جيد).
    وقال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الداء والدواء صـ 137، صـ 163:
    وفُسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر ولا ريب أنه من المعيشة الضنك. والآية
    تتناول ما هو أعم منه. وإن كانت نكرة في سياق الإثبات، فإن عمومها من حيث
    المعنى، فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله
    في دنياه وفي البرزخ ويوم معاده.

    (4) الـكَـــذِب:
    ففي الحديث الذي رواه البخاري عن سمرة بن جندب والذي يصور بعض مشاهد العذاب في القبر... قال
    " ... فانطلقنا، فأتينا على رجل مُستلق لقفـاهُ، وإذا آخر قـائم عليه بكلوب
    من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشرُ شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى
    قفـاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجـانب الآخر فيفعلُ به مثل ما فعل
    بالجانب الأول، فما يفرغُ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم
    يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى... " الحديث.
    ـ الكلوب: حديدة مُعْوَجَّة ينزع بها الشيء أو يعلق.
    ـ يشرشرُ: أي يقطع ـ الشدق: جانب الفم
    ثم جاء البيان في آخر الحديث بقول الملكين للرسول r:
    "... وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشرُ شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه،
    وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.... "
    الحديث.
    وفي رواية: "أما الذي رأيته يُشق شدقهُ فكذَّابٌ يحدث بالكذبة فتُحمل عنه
    حتى تبلغ الآفاق فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة.... "
    (أخرجه البخارى).
    قال ابن العربي: شرشرة شدق الكاذب هو إنزال العقوبة بمحل المعصية. أهـ
    والجزاء من جنس العمل.
    (5) آكــلُ الـرِّبــا:
    ففي الحديث السابق أيضاً الذي أخرجه البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي r
    وفيه: ".... فانطلقنا على نهر حسبتُ أنه كان يقول: أحمر مثل الدم، وإذا في
    النهر سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك
    السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه
    فيُلقمه حجراً، فينطلق فيسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه
    حجراً" ـ يفغر: أي يفتح
    وفي سياقه: ".... وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا..... "
    قال الحافظ: قال ابن هبيرة:
    إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة، لأن أصل
    الربا يجري في الذهب والذهب الأحمر، وأما إلقام الملك له الحجر، فإنه إشارة
    إلى أنه لا يغني عنه شيئاً، وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد
    والله من ورائه يمحقه.

    (6)الـزنــا:
    وفي نفس الحديث السابق الذي أخرجه البخاري عن سَمُرَة بن جُنْدب مرفوعاً وفيه:
    ".... فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، قال: وأحسبُ أنه كان يقول: فإذا فيه
    لغطٌ وأصواتٌ، فطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عُراة، وإذا هم يأتيهم لهبٌ
    من أسفل منهم إذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا..... " – أي صاحوا -.
    وفي آخر الحديث: "وأما الرجال والنساء العُراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزًُناة والزواني ".
    وفي بعض طرق حديث سمرة بن جندب الذي في صحيح البخاري أن النبي r قال:
    "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني، فانطلقت معهما فإذا ببيت مبنِّي على
    مثل بناء التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يوقد تحته نار، فيه رجال ونساء
    عُراة، فإذا أوقدت النار ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا أخمدت رجعوا
    فيها، فقلت: من هؤلاء قـال: هم الزناة "
    والجزاء من جنس العمل
    أ. قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
    واعلم أن الجزاء من جنس العمل، والقلب المعلق بالحرام كلما همّ أن يفارقه
    ويخرج منه عاد إليه، ولهذا يكون جزاؤه في البرزخ وفي الآخرة هكذا.
    فتأمل مطابقة هذا العذاب لحال قلوبهم في الدنيا، فإنهم كلما همُّوا بالتوبة
    والإقلاع والخروج من تنور الشهوة إلى فضاء التوبة أركسوا فيه وعادوا بعد
    أن كادوا يخرجوا . (روضة المحبين صـ 442)
    ب. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/465):
    مناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يُفضحوا؛ لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة
    فعوقبوا بالهتك، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم
    السفلى.
    جـ. وقال الكرماني: مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة إلا
    الزناة ففيها خفاء، وبيانه أن العري فضيحة كالزنا، والزاني من شأنه طلب
    الخلوة فناسب التنور، ثم هو خائف حذر حال الفعل كأن تحته النار.
    د. وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في روضة المحبين صـ 440-441:
    الكفر والمعاصي والفسوق كله غموم، وكلما عزم العبد أن يخرج منه أبت عليه
    نفسه وشيطانه ومألفه فلا يزال في غم ذلك حتى يموت، فإن لم يخرج من غم ذلك
    في الدنيا بقى غمه في البرزخ وفي القيامة، وإن خرج من غمه وضيقه هاهنا خرج
    من هناك، فما حبس العبد عن الله في هذه الدار حبسه عنه بعد الموت، وكان
    معذباً به هناك كما كان قلبه معذباً به في الدنيا، فليس العشاق والفجرة
    والظلمة في لذة في هذه الدار، وإنما هم يعذبون فيها وفي البرزخ وفي
    القيامة، ولكن سكر الشهوة وموت القلب حال بينهم وبين الشعور بالألم، فإذا
    حيل بينهم وبين ما يشتهون أحضرت نفوسهم الألم الشديد وصار يعمل فيها بعد
    الموت نظير ما يعمل الدود في لحومهم، فالآلام تأكل أرواحهم غير أنها لا
    تغني، والدود يأكل جسومهم. أهـ
    هـ. وقال أيضاً:
    ولما كانت معصية هؤلاء بأجزائهم السفلى كانت النار تأتيهم من أسفل منهم،
    ولما كانت نيران الشهوات تثور عليهم في الدنيا بين حين وآخر فيفارقون
    المعصية كانت النار تثور عليهم بين حين وآخر، وكانوا كلما أرادوا الخروج من
    المعصية والتوبة إلى الله قصرت بهم هممهم، وغلبت عليهم شقوتهم فعادوا
    إليها مرة ثانية، فهم كذلك في تنور في البرزخ كلما همُّوا بالخروج عادوا
    إليه مرة ثانية، ولو تابوا من المعصية وأنابوا إلى الله لخرجوا من التنور
    أو لما دخلوه أصلاً.
    كما قال تعالى: في وصف عباد الرحمن:
    {... وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً{68} يُضَاعَفْ
    لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً{69}
    إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ
    يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
    رَّحِيماً} (الفرقان: 68-70)
    فعباد الرحمن لا يقارفون الكبائر ولا يتنجسون بشيء منها، ولكن من تدنَّس
    بشيء من ذلك ثم تاب وأناب واستقام على طريق الله دخل في عباد الرحمن،
    وبدلت سيئاته حسنات.

    (7) ، (8) النوم عن الصلاة المكتوبة وهجر القرآن بعد تعلمه:
    وفي ذات الحديث الذي أخرجه البخاري عن سمرة بن جندب يوضح لنا النبي r مشهد
    عذاب القبر لمَن هجر القرآن بعد تعلمه ولمن ينام عن الصلاة المكتوبة....
    قال r: "..... وأنا أتينا على رجل مُضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا
    هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغُ رأسه فيتدهدهُ الحجر هاهنا، فيتبعُ الحجر،
    فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما
    فعل المرة الأولى..... ".
    ـ يثلغُ رأسه: أي يشدخه ويشقه.
    ـ يتدهدَهُ: أي يتدحرج، والمراد أنه دفعه من عُلو إلى أسفل، وتدهده إذا انحط.
    ثم جاء البيان في آخر الحديث بقول الملكين للرسول r:
    ".... وأما الرجل الأول الذي أتيت عليه يُثلغُ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة".
    وفي رواية: "والذي رأيته يُشدخُ رأسه فرجل علَّمه الله القرآن، فنام عنه
    بالليل ولم يعمل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة"
    (أخرجه البخاري).
    قال ابن حجر: قال ابن هبيرة:
    رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه،
    فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس.
    وقال أيضاً: يحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين ترك القراءة وترك العمل.
    هجر القرآن وأنواعه:
    يقول ابن القيم كما في الفوائد صـ92: وهجر القرآن أنواع:-
    أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
    والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به.
    والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين ،وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
    والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
    والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به.
    وكل هذا دخل في قوله تعالى: { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} (الفرقان: 30)
    وإن كان بعض الهجر أهون من بعض. أهـ.

    أما النوم عن الصلاة المكتوبة:
    فجزاؤه أن يُثلغ ويرضخ هذا الرأس الذي هذا فعله وشأنه، وهكذا يُعذَّب إلى
    قيام الساعة، فقد جاء في بعض الروايات: "..... فيفعل به إلى يوم القيامة"
    (فتح الباري: 3/251)

    (9) جـرّ الإزار خــيــلاء:
    فقد أخرج البخاري عن ابن عمر أن النبي قال:
    "بينما رجل يجر إزاره إذ خُسف به فهو يتجلجلُ في الأرض إلى يوم القيامة".
    وفي رواية: "بينما رجل يمشي في حُلة تعجبه نفسه مرجل جُمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة". (البخاري)
    قال ابن فارس: التجلجل: أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد، ويندفع من شق إلى شق
    فالمعنى يتجلجل في الأرض: أي ينزل فيها مضطرباً متدافعاً.
    قال الحافظ ـ رحمه الله ـ كما في فتح الباري (10/263):
    وفي هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، وأما الإسبال لغير
    الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضاً، لكن استدل بالتقييد في هذه الأحاديث
    بالخيلاء على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد
    هنا، فلا يحرم الجر، والإسبال إذا سلم من الخيلاء، قال ابن عبد البر:
    مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد، إلا أن جر القميص وغيره من
    الثياب مذموم على كل حال. وقال النووي: الإسبال تحت الكعبين للخيلاء، فإن
    كان لغيرها فهو مكروه، وهكذا نص الشافعي على الفرق بين الجر للخيلاء ولغير
    الخيلاء، قال: والمستحب أن يكون الإزار إلى نصف الساق، والجائز بلا كراهة
    ما تحته إلى الكعبين، وما نزل عن الكعبين ممنوع منع تحريم إن كان للخيلاء،
    وإلا فمنع تنزيه؛ لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة فيجب
    تقييدها بالإسبال للخيلاء انتهى. والنص الذي أشار إليه البويطي في مختصره
    عن الشافعي قال: لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء، ولغيرها
    خفيف لقول النبي r لأبي بكر وقوله: "خفيف" ليس صريحاً في نفي التحريم، بل
    هو محمول على أن ذلك بالنسبة للجر خيلاء، فأما لغير الخيلاء فيختلف الحال،
    فإذا كان الثوب لكنه يسدله فهذا لا يظهر فيه تحريم، ولاسيما إن كان عن غير
    قصد كالذي وقع لأبي بكر، وإن كان الثوب زائداً على قدر لابسه فهذا قد يتجه
    المنع فيه من جهة الإسراف فينتهي إلى التحريم، وقد يتجه المنع فيه من جهة
    التشبه بالنساء وهو أمكن فيه من الأول.
    وقال ابن العربي:
    لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه. ويقول لا أجرَّه خيلاء، لأن النهي قد
    تناوله لفظاً، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكماً أن يقول: لا أمتثله؛ لأن
    تلك العلة ليست فِيَّ، فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته ذيله دالة على
    تكبره. أهـ ملخصاً، قال الحافظ: وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب، وجر
    الثوب يستلزم الخيلاء، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، ويؤيده ما أخرجه أحمد
    بن منيع من وجه آخر
    عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه: "وإياك وجر الإزار فإن جر الإزار من المخيلة"
    (10) حبس الحيوان وتعذيبه:
    وفي حديث الكسوف الذي رواه مسلم عن جابر أن النبي r قال:
    "..... وعُرضت علي النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تُعذَّب في هرة
    لها. ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض"
    (أخرجه مسلم)
    قال البيهقي في "إثبات عذاب القبر" صـ97:
    ورأى النبي r حين صلى صلاة الخسوف من يجر قُصبه في النار، ومن يُعذَّب في
    السرقة، والمرأة التي كانت تعذب في الهرة، وقد صاروا في قبورهم رميماً في
    أعين أهل زمانه، ولم يرَ من صلَّى معه من ذلك ما رأى".
    فالذي يُعذِّب الحيوان ولا يرحمه فإن الله لا يرحمه، لأن الرحمة لا تكون إلا للرحماء.
    فقد أخرج الطبراني في الكبير بسند صحيح عن جرير أن النبي r قال:
    "ارحم من في الأرض يرحمك مَن في السماء". (صحيح الجامع: 896).

    (11) الـدَّيْـن:
    أخرج الحاكم عن جابر بن عبد الله قال:
    "توفى رجل فغسَّلناه وحنَّطناه وكفنَّاه، ثم أتينا به النبي ليصلي عليه
    فخطّ خطاً، ثم قال: هل عليه دَين؟. قلنا: نعم. قال: صلُّوا على صاحبكم،
    فقال أبو قتادة: يا رسول الله دينه عليَّ؟ فقال النبي r: هما عليك حق وبرء
    الميت؟، قال: نعم. فصلى عليه، ثم لقيه في الغد فقال: ما فعل الديناران؟،
    فقال: يا رسول الله إنما مات أمس. ثم لقيه من الغد فقال: ما فعل
    الديناران؟، فقال: يا رسول الله. قد قضيتهما. فقال رسول الله r: الآن بردت
    عليه جلده".
    فـائـدة:
    قال بعض أهل العلم:
    المقصود بقول النبي r:" الآن حين بردت عليه جلده" أي: استراح، وهذا يدل
    على أنه مازال قلقاً حتى يقضى الدين عنه، ولا يؤاخذ الميت لتحمل غيره عنه،
    ولقول النبي r في بعض الروايات: "هما عليك وفي مالك والميت منهما برئ" فلا
    يلزم من قول النبي r: "الآن بردت عليه جلده" وقوع العذاب.
    وقال البعض: إن رفع العذاب لا يكون إلا بعد قضاء الدين عنه.
    وأخرج الإمام أحمد عن سعد بن الأطول
    "أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أنفقها على
    عياله، قال: فقال لي نبي الله r: إن أخاك محبوس بدينه، فاذهب فاقضِ عنه،
    فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت، قلت: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين
    ادعتهما امرأة، وليست لها بينة، قال: أعطها فإنها محقة. وفي رواية:
    "صادقة".
    (ضعفه بعض أهل العلم لأن فيه عبد الملك أبو جعفر وهو مجهول، لكن صححه الألباني في صحيح الجامع: 1550 )
    فقد أخبر الرسول r أن ذلك الصحابي محبوس بسبب دينه، ويمكن أن يفسر هذا
    الحبس الحديث الآخر حيث قال الرسول r: "إنه مأسور بدينه عن الجنة".
    والحديث عند أبي داود والنسائي من حديث سمرة بن جندب:
    "أن النبي r صلَّى على جنازة ـ وفي رواية: صلَّى الصبح ـ، فلما انصرف قال:
    أهاهنا من آل فلان أحد، فسكت القوم، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا، وقال ذلك
    مراراً ثلاث لا يجيبه أحد، فقال رجل: هو ذا، قال: فقام رجل يجر إزاره من
    مؤخر الناس، فقال له النبي :r ما منعك في المرتين الأوليين أن تكون
    أجبتنى؟، أما إني لم أنوه باسمك إلا لخير، إن فلاناً – لرجل منهم – مأسور
    بدينه عن الجنة، فإن شئت فافدوه، وإن شئت فأسلموه إلى عذاب الله، فلو رأيت
    أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه حتى ما أحدٌ يطلبه بشيء".
    ولذلك ينبغي أن يتحلل الإنسان من هذا الدَّيْن، والذي قد يحبسه عن الجنة ويكون سبب في عذاب القبر.
    (12) الـلِّــواط:
    واللواط: هو وطء الرجلِ الرجلَ، وهو عمل قوم لوط، وهو محرم.
    فقد أخرج أحمد والنسائي وأبي داود بسند صحيح أن النبي r قال:
    "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" (صحيح الجامع: 6589)
    قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
    ينظر أعلى بناء في القرية فيُلقى منه ثم يتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط.
    ولقد عاقب الله قوم لوط عقاباً شديداً في الدنيا، وهذا مع ما ينتظرهم من
    العقوبة في الآخرة... ولشناعة تلك الجريمة وقبحها عاقب الله مرتكبيها
    بأربعة أنواع لم يجمعها على قوم غيرهم وهي:
    أنه طمس أعينهم، وجعل أعالي قراهم سافلها، وأمطرهم بحجارة من سجيل منضود،
    وأرسل عليهم الصيحة، وفي هذه الشريعة صار القتل بالسيف – على الراجح – وهو
    عقوبة الفاعل والمفعول به إذا كان عن رضا واختيار.
    وقال ابن عباس – رضي الله عنهما –:
    إن اللوطي إذا مات من غير توبة فإنه يمسخ في قبره خنزير.

    (13) النياحة على الميت:
    أ. أخرج البخاري بسنده أن النبي r قال:
    "من نيح عليه يُعذَّب بما نيح عليه".

    ب. وفي صحيح مسلم أن النبي r قال:
    "الميت يُعذَّب في قبره بما نيح عليه"

    جـ. وأخـرج البخـاري ومسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قـال:
    قال رسول الله r: "إن الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه".
    والمقصود بالبكاء في هذا الحديث هو النواح ويفسر ذلك الأحاديث التي قبله،
    والبكاء المجرد عن النواح وتعديد شمائل الميت فلا مؤاخذة عليه، فإن الله لا
    يؤاخذ بدمع العين ولا بحزن القلب وقد بكى النبي r على ابنه إبراهيم، وعلى
    عثمان ابن مظعون وغيره.
    وهذا العذاب يكون لمن أوصى أهله بالنياحة عليه بعد موته، أو لمن لم يوص أهله بترك النياحة مع علمه أنهم سيفعلون ذلك.
    أما من أوصى بترك النياحة، فلمّا مات لم يتركوا النياحة عليه فهذا لا شيء عليه.
    كما قال عبد الله بن المبارك:
    إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئاً من ذلك بعد وفاته لم يكن عليه شيء.

    د. وأخرج الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري أن النبي r قال:
    "الميت يُعذَّب ببكاء الحي إذا قالت النائحة: واعضداه، واناصراه، واكاسباه، جُبِذَ الميت وقيل: أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسبها؟!"

    هـ. وعند الترمذي بلفظ: "ما من ميت يموت فيقوم باكيه فيقول: واجبلاه،
    واسنداه... أو نحو ذلك إلا وُكِّل به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت".

    و. وأخرج البخاري من حديث أبي بردة عن أبيه قال:
    "لما أصيب عُمر جعل صهيب يقول: واأخاه، فقال عُمر: أما علمت أن النبي r قال: إن الميت ليُعذَّب ببكاء الحي".
    وبوَّب عليه البخاري "باب قول النبي r: " يُعذَّب الميت ببعض بكاء أهله
    عليه إذا كان النوح من سنته " لقـول الله تعـالى: {... قُوا أَنفُسَكُمْ
    وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}، وقال النبي r:
    " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، فإن لم تكن من سنته فهـو كمـا قـالت عـائشة
    ـ رضي الله عنها ـ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }، وهي كقوله: {
    وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } – ذُنُوبـاً – { إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ
    مِنْهُ شَيْءٌ } (فاطر:18) وما يرخص من البكاء من غير نوح وقال النبي r:
    "لا تُقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها" وذلك لأنه أول من سن القتل.
    (فتح الباري: 3/150).
    ورجَّح الألباني ـ رحمه الله ـ قول جمهور العلماء:
    وهو أن الحديث محمول على مَن أوصى بالنوح عليه أو لم يوصِ بتركه مع علمه
    بأن الناس يفعلونه عادة، ولهذا قال عبد الله ابن المبارك: إذا كان ينهاهم
    في حياته ففعلوا شيئاً من ذلك بعد وفاته لم يكن عليه شيء" والعذاب عندهم
    بمعنى العقاب. (أحكام الجنائز هامش 29 – المكتب الإسلامي).

    (14) الغلول من الغنيمة:
    ـ والغلول: هي السرقة من الغنائم قبل أن تُقسَّم، أي يأخذ الغازي شيئاً من الغنيمة دون عرضه على ولي الأمر لقسمته.
    وقد أخبر النبي r عن الرجل الذي غلّ شملة يوم خيبر فقال r كما عند البخاري ومسلم وفيه:
    "أهدى رجل لرسول الله غلاماً يقال له مِدْعم، فبينما مدعم يحط رحلاً لرسول
    الله إذ أصابه سهم عائر فقتله، فقال الناس: هنيئاً له الجنة، فقال الرسول:
    كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها
    المقاسم لتشتعل عليه ناراً، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شركين إلى
    النبي فقال: شراك من نار أو شراكين من نار".
    ـ عائر: لا يدري من رماه.
    ـ الشملة: هي الثوب يتوشَّح به. وهى كساء من صوف يتغطى به.
    قال الحافظ ـ رحمه الله ـ كما في فتح الباري(7/489) قوله: "لتشتعل عليه ناراً":
    يحتمل أن يكون ذلك حقيقة، بأن تصير الشملة نفسها ناراً فيُعذَّب بها، ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار.
    وبوَّب النووي لهذا الحديث: "باب غِلَظُ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون"
    وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال:
    "لما كان يوم خيبر، أقبل نفر من صحابة النبي r فقالوا: فلان شهيد... فلان
    شهيد، حتى مرُّوا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله r: كلا إني
    رأيته في النار في بردة غلَّها أو عباءة"
    وفي رواية أخرى عند البخاري عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال:
    "كان على ثقل النبي رجل يقال له كركرة: فمات، فقال رسول الله r: هو في النار فذهبوا ينظرون فوجدوا عباءة قد غلَّها".

    (15) الـسـرقــة:
    ففي حديث الكسوف الذي رواه مسلم عن جابر أن النبي r قال:
    ".... وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قُصبه في النار. كان يسرق الحاج
    بمحجنه فإن فطن له قال: إنما تعلَّق بمحجني، وإن غفل عنه ذهب به.... "
    ـ والمحجن: عصا معقوفة الطرف.

    (16) الإفطار في رمضان من غير عذر:
    وهذا لا يجوز، وهو من الأمور المحرمة.
    فقد أخرج النسائي في الكبرى وابن حبان وابن خزيمة والحاكم في المستدرك عن أبي أمامة t قال: سمعت رسول الله r يقول:
    "بينما أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتياني جبلاً وعراً، فقالا:
    اصعد. فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في
    سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل
    النار، ثم انطلقا بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل
    أشداقهم دماً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم". ـ
    أي يفطرون قبل وقت الإفطار ـ.
    (صحيح الترغيب: 995)

    (17) الامتناع عن إرضاع الأولاد بغير عذر:
    ففي الحديث السابق أن رسول الله r قال:
    "ثم انطلق بي فإذا بنساء ينهشن ثديهن الحيات، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء
    اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن"
    (الصحيحة:3951)
    فكما حرمن أولادهن من الرضاع من ثديهن تنهشها الحيَّات جزاء وفاقاً في البرزخ.

    (18) أمر الناس بالبر ونسيان النفس:
    قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ
    وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (البقرة:44)
    وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا
    تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا
    تَفْعَلُونَ} (الصف: 2ـ3)
    وأخرج أبو يعلى وأحمد بسندهما عن رسول الله r قال:
    "رأيت ليلة أُسري بي رجالاً تُقرضُ شفاهم بمقاريض من نار، فقلتُ: من هؤلاء
    يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمَّتِك، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم،
    وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون".
    (الصحيحة: 291).
    وعند البيهقي من حديث أنس أن النبي r قال:
    "أتيت ليلة أُسرى بي على قوم تُقرضُ شفاهم بمقاريض من نار، كلما قُرضت
    وفَّت، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمَّتِك الذين يقولون ما لا
    يفعلون، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به".
    (حسنه الألباني في صحيح الجامع: 129).
    قال زبيد اليامي:
    أسكتتني كلمة ابن مسعود عشرين سنة وهي: "من كان كلامه لا يوافق فعله فإنما يوبخ نفسه".
    قال هلال بن العلاء:
    طلب العلم شديد، وحفظه أشد من طلبه، والعمل به أشد من حفظه، والسلامة منه أشد من العمل به.

    (19) عدم الاستبراء من البول والمشي بين الناس بالنميمة:
    أ. ففي الصححين عن ابن عباس – رضي الله عنهما –: "أن النبي r مر بقبرين فقال:
    "إنهما ليُعذبان وما يُعذبان في كبير، أما أحدُهما فكان لا يستتر من بوله،
    وأما الأخر فكان يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة رطبة فشقها نصفين ثم غَرَزَ
    في كل قبر واحدة. فقالوا: يا رسول الله لما فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما
    ما لم ييبسا".
    تنبيهان:
    1– وضع الجريد خاص بالنبي r.
    2 – قال الحافظ ـ رحمه الله ـ كما في الفتح (3/310):
    المراد بتخصيص هذين الأمرين بالذكر تعظيم أمرهما لا نفي الحكم عما سواهما، فعلى هذا لا يلزم من ذكرهما حصر عذاب القبر فيهما.
    ب. وفي رواية أخرى هي في الصحيحين أيضاً: عن ابن عباس – رضي الله عنهما –
    قال: "مرّ النبي r بحائط – أي بستان – من حيطان المدينة، فسمع صوت إنسانين
    يعذبان في قبورهما، فقال النبي :r إنهما ليُعذبان، وما يُعذبان في كبير، ثم
    قال: بلى وإنهُ لكبير (1) كان أحدهما لا يستتر من بوله (2) ـ وفي رواية:
    البول ـ، وكان الأخر يمشي بالنميمة (3), ثم دعا بجريدة رطبة، ـ وفي رواية:
    بعسيب (4) رطب ـ فكسرها كسرتين، ـ وفي الرواية: فشقها نصفين ـ، فوضع على كل
    قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله لما فعلت هذا؟ قال لعله أن يخفف
    عنهما ما لم ييبسا".
    (1) وفي قول النبي "وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى. وإنه لكبير"
    ذكر الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ كما في فتح الباري (1/317) معناها فقال:
    ويحتمل أن الضمير في قوله: "وإنه" يعود على العذاب، لما ورد في (صحيح ابن
    حبان) من حديث أبي هريرة :"يعذبان عذاباً شديداً في ذنب هين"، وقيل: المعنى
    ليس بكبير في اعتقـادهما
    أو في اعتقاد المخاطبين، وهو عند الله كبير، كقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ }
    (النور: 15)، وقيل: ليس بكبير الاحتراز منه، أي كان لا يشق عليهما الاحتراز
    من ذلك، وهذا الأخير جزم به البغوي وغيره، ورجحه ابن دقيق العيد وجماعة،
    وقيل: ليس بكبير بمجرده وإنما صار كبيراً بالمواظبة عليه، ويرشد إلى ذلك
    السياق فإنه وصف كلاً منهما بما يدل على تجدد ذلك منه واستمراره عليه
    للإتيان بصيغة المضارعة بعد حرف كان. والله أعلم. أهـ
    وقال الخطابي في معالم السنن (1/27):
    وفي قوله r: "وما يعذبان في كبير" معناه أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر
    عليهما أو يشق فعله لو أرادا أن يفعلاه، وهو التَّنزه من البول وترك
    النميمة، ولم يرد أن المعصية في هاتين الخصلتين ليست بكبيرة في حق الدين
    وأن الذنب فيهما سهل هين.
    قال المنذري كما في الترغيب والترهيب (861):
    ولخوف توهم مثل هذا استدرك فقال "بلى إنه لكبير"

    (2) ومعنى: "لا يستتر من بوله" بَيَّنَه الحافظ كما في فتح الباري (1/380):
    معنى "الاستتار" أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة، يعني لا يتحفظ منه،
    فتوافق رواية: "لا يستنزه" لإنها من التنزه وهو الإبعاد، وفي حديث أبي
    هريرة عند ابن خزيمة وصححه:
    "أكثر عذاب القبر من البول" أي: بسبب ترك التحرز منه. أهـ بتصرف.

    (3) وقال الحـافظ ـ رحمه الله ـ في الفتح أيضاً (1/318) في قول النبي r:
    "وكان الآخر يمشي بالنميمة" قال ابن دقيق العيد: هي نقل كلام الناس،
    والمراد منه هنا: ما كان بقصد الإضرار، فأما ما اقتضى فعل مصلحة أو ترك
    مفسدة فهو مطلوب.

    (4) عسيب: هي الجريدة التي لم ينبت فيها خوص، فإن نبت فهي السعفة.

    وهناك أحاديث دلت على خطورة عدم التنزه من البول منها:-
    ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة عن النبي r قال:
    "أكثر عذاب القبر من البول" (صححه
    الألباني في صحيح الترغيب: 1/155).
    وأخرج البزار والدار قطني عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي r قال:
    "إن عامة عذاب القبر من البول فتنزَّهوا منه"
    (صححه الألباني في صحيح الترغيب:1/152، وهو في صحيح الجامع: 2102).
    واخرج الدارقطني عن أنس عن النبي r قال:
    "اتقوا التبول فإنه أولُ ما يحاسب به العبد في قبره" (حسنه الألباني في صحيح الترغيب: 1/153).
    وأخرج الدارقطني من حديث أنس أن النبي r قال:
    "تنزَّهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" (صحيح الجامع: 3002).
    وقـفـة:
    القبر أول منازل الآخرة وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب
    والثواب، ومقدمة الصلاة: الطهارة من الحدث والخبث. ومقدمة الدماء: النميمة
    والوقيعة في الأعراض وهما أيسر أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة
    والعقاب عليهما.
    وأول ما يُقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله: الصلاة، ومن حقوق العباد: الدماء.
    يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ عن سبب عذاب هذين الصنفين من الناس:
    فهذا ترك الطهارة الواجبة، وذلك ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس
    بلسانه، وإن كان صادقاً، وفي هذا تنبيه على أن الموقع بينهم العداوة بالكذب
    والزور والبهتان أعظم عذاباً.
    كما أن ترك الاستبراء من البول تنبيهاً على أن مَن ترك الصلاة ـ التي الاستبراء من البول بعض واجباتها وشروطها ـ فهو أشد عذاباً.

    (20) أذي الناس باللسان:
    فقد أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي r قال في بعض الروايات:
    "كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه، ويمشي بينهم بالنميمة".
    وأذى الناس باللسان يكون بالفحش والسبّ واللعن والسخرية والاستهزاء والكذب
    عليهم والاستطالة في أعراضهم والهجاء والقذف والغيبة كما سيأتي.

    (21) الغيبة:
    فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجة بسند صحيح عن أبي بكرة قال:
    "بينا أنا أماشي رسول الله r وهو آخذ بيدي ورجل عن يساره فإذا نحن بقبرين
    أمامنا فقال رسول الله r: إنهما ليُعذَّبان وما يٌعذَّبان في كبير وبلى،
    فأيكم يأتيني بجريدة، فاستبقنا فسبقته فأتيته بجريدة، فكسرها نصفين، فألقى
    على ذا القبر قطعة، وعلى ذا القبر قطعة، قال: إنه يهون عليهما ما كانتا
    رطبتين، وما يُعذبان إلا في الغيبة والبول".
    (صححه الألباني في صحيح الترغيب:1/66، وهو في صحيح الجامع:2441)
    قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ:
    قد روي هذا الحديث من طرق كثيرة مشهورة في الصحـاح وغيرها عن جماعة من الصحـابة
    – رضي الله عنهم – وفي أكثرها أنهما يعذبان في النميمة والبول.
    والظاهر أنه اتفق مروره مرة بقبرين، يعذب أحدهما في النميمة، والآخر في
    البول، ومرة أخرى مرّ بقبرين يُعذَّب أحدهما في الغيبة، والآخر في
    البول.... والله أعلم.

    ويـؤيد مـا قاله الحـافظ بالحديـث الذي أخرجه ابن سعد بإسنـاد حسن عن ميمونة ـ مولاة النبي ـ أن النبي r قال لها:
    "يا ميمونة... إن من أشدّ عذاب القبر من الغيبة والبول".
    ـ والغيبة: هي ذكرك أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرته بنقص في دينه أو بدنه أو نسبه
    أو ثوبه أو داره أو دابته أو خلقه... أو غير ذلك مما يفهم التنقيص منه.
    والغيبة لا تقتصر على اللسان فالتعريض به كالتصريح.
    والفعل منه كالقول، والإشارة والإيماء والغمز واللمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم به المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام.
    س: ما الحكمة التي من أجلها سَتَرَ الله عنَّا عذاب القبر؟
    جـ: والحكمة من هذا حتى يدفن بعضنا بعضاً؛ لأنه سبحانه لو أسمعنا عذاب
    القبر ما دفن منا أحدٌ أحداً، وما استطعنا أن نقترب من القبر وهذا ما يؤكده
    النبي
    فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أنس أن النبي r قال:
    "لولا أن لا تدافنوا لدعوتُ اللهَ أن يُسمعَكُم من عذابِ القبر".
    فكتم الله تعالى عنا عذاب القبر لهذه الحكمة، وهى حتى نتدافن.
    ولعل هناك حكمة أخرى من أجلها غما الله عنا عذاب القبر، وهى أنه لو سمع
    الإنسان منا صفيه وحبيبه الذي قبره يُعذَّب في قبره ما ذاق طعام ولا أكتحل
    بمنام.
    أضف إلى هذا: أنه فضيحة للميت وكشف للمخبوء.
    فالحمد لله الذي ستر عنا عذاب القبر بلطفه وكرمه، والله يعلم ضعفنا؛ لأنه لو كشف لنا عذاب القبر لصُعِقْنَا من هولِهِ وشدتِهِ.
    انظر لهذا الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي قال:
    "إذا وُضعتِ الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت:
    قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين يذهبون بها، يسمع
    صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصُعِق".
    وهذه صيحة كانت من غير ضرب ولا هوان ولا عذاب وكانت على رءوس الرجال، ولو
    سمعناها لصعقنا فكيف بهذه الصيحة المدوية عندما يضرب المقبور بمطرقة من
    حديد؟! لو ضُرِب بها الجبل لصار تراباً؟!. نسأل الله العافية والستر في
    الدنيا والآخرة.
    وهذه الصيحة يسمعها جميع الخلائق إلا الثقلين كما أخبر بذلك النبي r.
    فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري في حديث طويل وفيه:
    "ثم يقمعه قمعة بالمطراق فيصيح صيحة يسمعها خلق الله كلهم غير الثقلين".
    فقد أخرج الإمام مسلم عن زيد بن ثابت قال:
    "بينما النبي r في حائط لبني النجار على بغلة له. – ونحن معه – إذ حادت به
    فكادت تلقيه، فإذا أَقْبُرٌ ستة أو خمسة أو أربعة – فقال النبي r: مَن يعرف
    هذه الأقْبُر...."
    الحديث
    قال القرطبي ـ رحمه الله ـ:
    وإنما حـادت به البغلة لما سمعت من صوت المعذَّبِين، وإنما لم يسمعه من يعقل من الجن والأنس
    لقوله "لولا أن لا تدافنوا لدعوتُ اللهَ أن يسمعَكُم من عذابِ القبر". أهـ.
    ويقول القرطبي أيضاً في التذكرة صـ 113:
    فكتم الله تعالى عنا عذاب القبر حتى نتدافن بحكمته الإلهية والطائفة
    الربانية لغلبة الخوف عند سماعه، فلا نقدر على القرب من القبر للدفن، أو
    يهلك الحي عند سماعه إذ لا يُطاق سماع شيء من عذاب الله في هذه الدار لضعف
    هذه القوى، ألا ترى أنه إذا سمع الناس صعقة الرعد القاصف أو الزلازل
    الهائلة هلك كثير من الناس؟!، وأين صعقة الرعد من صيحة الذي تضربه الملائكة
    بمطارق الحديد التي يسمعها من يليه؟!
    وقد قال النبي r في الجنازة: "ولو سمعها إنسان لصُعق"
    وهذا وهو على رءوس الرجال من غير ضرب ولا هوان، فكيف إذ حل به الخزي والنكال واشتد عليه العذاب والوبال؟!.
    فنسأل الله معافاته ومغفرته وعفوه ورحمته بمنِّه.
    وقـفـة:
    ها قد رأيت أخي الحبيب كيف يُعذَّب العصاة بمعاصيهم في الدنيا، وكيف ينالهم
    شؤم ما كسبت أيديهم من فواحش وجرائم، وهذه المعاصي كذلك تلاحق أهلها في
    القبور حيث تنغص عليهم حياتهم فيها، فلا يجدون منها مهرباً ولا معاذاً، ولو
    فروا منها إلى الله في الدنيا وتابوا وأنابوا لنجوا من عذابها في البرزخ،
    قال الله تعالى واصفاً حال المصرين على المعاصي المعرضين عن الله :
    { حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{99}
    لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ
    قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}
    (المؤمنون: 99-100)
    فلا سبيل للنجاة إلا بالتوبة والأوبة والرجوع إلى الله تعالى.
    س: ما هي الأسباب المنجية من عذاب القبر؟
    جـ: قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
    فجوابها أيضاً من وجهين: مُجمل ومُفصَّل.
    أما المجمل: فهو تجنب تلك الأسباب التي تقتضي عذاب القبر، ومن أنفعها أن
    يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه
    في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحاً بينه وبين الله، فينام على تلك التوبة
    ويعزم على أن لا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من
    ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلاً للعمل مسروراً بتأخير
    أجله، حت
    Abohamada
    Abohamada
    المدير العـام
    المدير العـام


    دوله : egypt
    عدد المساهمات : 398
    نقاط : 1244
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 27/08/2011

    أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه Empty رد: أسباب عذاب القبروالأسباب المُنجية منه

    مُساهمة من طرف Abohamada الخميس سبتمبر 01, 2011 11:55 am

    أما الجواب المفصل: فنذكر أحاديث عن رسول الله r فيما ينجي من عذاب القبر.

    (1) التوحيد:
    ففي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن البراء بن عازب عن النبي r عندما تكلَّم عن العبد المؤمن وسؤال الملكين له وفي الحديث:
    "... ويُجلسـانِه فيقولان له: من ربك؟ فيقـول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك ؟
    فيقول: ديني الإسـلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هو
    رسـول الله r، فيقولان له: وما عملك؟، فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به
    وصدَّقتُ، وهي أخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول الله : { يُثَبِّتُ
    اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ
    الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } (إبراهيم: 27)"

    (2) تقوى الله:
    قال تعالى: {... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ... } (الطلاق: 3،2 )
    ففي هذه الآية وَعَدَ اللهُ أهل التقوى بأن يجعل لهم مخرجاً من كل ضيق،
    وليس هناك شدة ولا ضيق أعظم من شدة السكرات وخروج الروح ودخول القبر.
    فمن كان في الدنيا تقيَّاً فإن الفرج والمخرج يكون له ثواباً في قبره.
    لكن ما هي التقوى؟
    اختلفت تعبيرات العلماء في تعريف التقوى، مع أن الجميع يدور حول مفهوم
    واحد، وهو أن يأخذ العبد وقايته من سخط الله وعذابه، وذلك بامتثال المأمور
    واجتناب المحظور.
    وقال طلق بن حبيب ـ رحمه الله ـ:
    إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى، قالوا: وما التقوى؟
    قال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
    وقال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ:
    التقوى هي ترك ما تهوى لما تخشى.
    وقيل في تعريف التقوى:
    هي الخوف من الجليل، والرضا بالقليل، والعمل بالتنزيل: والاستعداد ليوم الرحيل.
    وقيل في تعريفها:
    هي أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.

    (3) طاعة الله وفعل الصالحات:
    فقد أخرج ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
    "إن الميت إذا وُضع في قبره إنهُ ليسمعُ خفقَ نعالِهم حين يولوا عنه، فإن
    كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن
    يساره، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند
    رجليه.
    فيؤتى من رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخلٌ، ثم يؤتى عن يمينه فيقول
    الصيام: ما قبلي مدخلٌ، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخلٌ، ثم
    يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف إلى الناس:
    ما قبلي مدخلٌ".
    فطاعة الله هي خير ما يقدمه المسلم لنفسه في قبره.
    فقد أخرج الطبري في تفسـيره (21/52) والبيهقي وأبو نعيم في "الحلية" عن مجـاهد
    في قوله تعالى: { فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} (الروم:44) . قال: في القبر".
    وفي حديث البراء الطويل في سؤال الملكين وفيه أن العبد المؤمن يقول:
    وأنت فبشرك الله بخير من أنت؟ فوجهك الوجه يجئُ بالخير، فيقول: أنا عملك
    الصالح فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في إطاعة الله، بطيئاً في معصية
    الله فجزاك الله خيراً، ثم يفتح له باب من الجنة".

    (4) الاستقامة على طاعة الله
    قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
    اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
    وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ
    تُوعَدُونَ{30} نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
    الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
    تَدَّعُونَ{31} نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} (فصلت: 30ـ32).
    وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
    اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{13}
    أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا
    يَعْمَلُونَ} (الأحقاف: 13ـ14).
    فلقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن
    مات على شيء بُعث عليه.... فمن عاش على الطاعة مخلصاً لله ومتبعاً هدي رسول
    الله فإنه يموت على الطاعة وينور له قبره بتلك الطاعة، بل ويصبح قبره روضة
    من رياض الجنة جزاء لكل لحظة عاشها في طاعة الله (جل وعلا).
    (5) الرباط في سبيل الله:
    والرباط ملازمه ثغر من ثغور المسلمين فارساً كان أو راجلاً، والربـاط مأخوذ
    من ربط الخيل، ومن مات مرابطاً نجَّاه الله من عذاب القبر، ويدل على ذلك
    أحاديث منها:-
    أ. ما أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r:
    "من مات مرابطاً في سبيل الله أجرى اللهُ عليه عمله الصالح الذي كان يعمل
    عليه، وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتَّان، وبعثه الله يوم القيامة آمناً من
    الفزع".

    ب. أخرج الإمام مسلم عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله r يقول:
    "رباطُ يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان".
    وفي لفظ آخر عند الترمذي وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3481) أن النبي قال:
    "رباطُ يوم في سبيل الله أفضل من صيام شهر وقيامه، ومَن مات فيه وُقِيَ فتنة القبر، ونما له عمله إلى يوم القيامة".

    جـ. وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4562) أن النبي r قال:
    "كلُّ ميتٍ يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتَّان القبر".

    د. وفي رواية الطبراني: "مَن مات مرابطاً في سبيل الله أمَّنه الله من فتنة القبر".

    (6) الشهادة في سبيل الله تعالى:
    فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5182) أن النبي r قال:
    "للشهيد عند الله سبعُ خصالٍ: يُغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من
    الجنة، ويُحلَّى حُلَّةَ الإيمان، ويُزوجُ اثنين وسبعين زوجةً من الحور
    العين، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُوضع على رأسه تاج
    الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويُشفَّع في سبعين إنساناً
    من أهل بيته".
    وأخرجه الترمذي من حديث عبادة بن الصامت بلفظ:
    "للشهيد عند الله ست خصالٍ: يُغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من
    الجنة، ويُجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحلَّى حُلَّةَ
    الإيمان ، ويُزوجُ من الحور العين ، ويُشفَّع في سبعين إنساناً من أقاربه".
    وأخرج النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب رسول الله r قال:
    "إن رجلاً قال: يا رسول الله. ما بال المؤمنين يُفتَنون في قبورهم إلا الشهيد؟
    قال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة". (صحيح الجامع: 4359).
    قال الشيخ الألباني كما في أحكام الجنائز صـ 51: (تنبيه):
    تُرجى هذه الشهادة لمن سألها مخلصاً من قلبه ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة بدليل قوله
    "مَن سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغهُ الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه" (أخرجه مسلم)
    قال ابن القيم كما في كتاب الروح صـ 109:
    إن قول النبيr:"كفى ببراقة السيوف على رأسه فتنة" معناه والله أعلم: قد
    امتحن نفاقه من إيمانه ببارقة السيف على رأسه فلم يفر، فلو كان منافقاً لما
    صبر لبارقة السيف على رأسه، فدل على أن إيمانه هو الذي حمله على بذل نفسه
    لله وتسليمها له، وهاج من قلبه حمية الغضب لله ولرسوله، وإظهار دينه وإعزاز
    كلمته، فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره حيث برز للقتل فاستغنى بذلك عن
    الامتحان في قبره.

    (7) الموت بداء البطن:
    وهو الاستسقاء وانتفاخ البطن، وقيل: هو الإسهال، وقيل: الذي يشتكي بطنه.
    أخرج الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح عن عبد الله بن يسار قال:
    كنت جالساً وسليمان بن حرد وخالد بن عرفطة، فذكروا أن رجلاً تُوفِّي مات
    ببطنه، فإذا هما يشهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقل
    رسول الله r: من يقتلُهُ بطنه فلن يعذب في قبره؟ فقال الأخر: بلى". وفي
    رواية: "صَدَقْتَ".(صحيح الجامع: 6337)
    تنبيه:
    يلحق بالشهيد الذي لا يعذب في قبره كل أنواع الشهادة، أو من له أجر الشهيد الذي نص عليه رسول الله r.
    وقال :ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله من قُتل في سبيل الله فهو
    شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل، قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال:
    من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في
    الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد"
    (أخرجه مسلم).
    وقال:" من فصل في سبيل الله فمات أو قُتل أو رفصته فرسه أو بعيره أو لدغته
    هامة أو مات في فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد وإن له الجنة"
    (أبو داود والحاكم عن أبي مالك الأشعري، وهو في صحيح الجامع (6413)
    وقال :"من قتله بطنه لم يُعذَّب في قبره".
    (أحمد والترمذي والنسائي وصحيح الجامع (6461)
    والموت بداء البطن: هو الاستسقاء وانتفاخ البطن. وقيل: هو الإسهال. وقيل: الذي يشتكي بطنه.
    وقال :"الطاعونُ شهادة لكل مسلم" (البخاري ومسلم.)
    وقال :"من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون
    دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" (أحمد والترمذي
    والنسائي صحيح الجامع (6445).
    وقال :"من قُتل دون ماله مظلوماً فله الجنة". (النسائي عن ابن عمرو صحيح الجامع (6446).
    وقال :"من قُتل دون مظلمته فهو شهيد". (النسائي والضياء صحيح الجامع (6447).
    وقال :الشهداءُ سبعةٌ سوى القتل في سبيل الله: المطعونُ شهيد، والغَرِقُ
    شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحَرِق شهيد، والذي يموت تحت
    الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة".
    (أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
    ـ تموت بجمع: أي تموت وفي بطنها ولد.
    فكل هؤلاء الذين ذكرهم الحبيب r شهداء.... والشهداء هم الذين أكرمهم الحق
    (جل وعلا) في الدنيا بنعمة الشهادة، وفي القبر بالنعيم والنجاة من الفتنة
    والعذاب.... وفي الآخرة بالخلود في الجنان مع الأحباب.

    (8) الموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة:
    فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن عمرو عن النبي r أنه قال:
    "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وَقَاه الله تعالى فتنة القبر"
    (صحيح الجامع:5773).
    وهذا السبب ليس من كسب العبد، وإنما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.
    قال الحكيم الترمذي:
    "ومَن مات يوم الجمعة فقد انكشف الغطاء عما له عند الله تعالى: لأن يوم
    الجمعة لا تُسجَّر فيه جهنم وتغلق أبوابها، ولا يعمل سلطان النار ما يعمل
    في سائر الأيام، فإذا قبض الله عبداً من عبيده. فوافق قبضه يوم الجمعة كان
    ذلك دليلاً لسعادته وحسن مآربه، وأنه لم يقبض في هذا اليوم العظيم إلا من
    كتب الله له السعادة عنده". (شرح
    الصدور 150، اللمعة في خصائص الجمعة ص 57 )

    (9) قراءة سورة تبارك:
    أ. فقد أخرج ابن مردويه من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي r قال:
    "سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر" ورواه كذلك الحاكم عن عبد الله
    (والحديث في صحيح الجامع: 3643).
    ب. وأخرج الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله r قال:
    "إن سورةً من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي: {تَبَارَكَ
    الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}"

    (صحيح الجامع: 2087)
    وعند الطبراني بسند حسن بلفظ:
    "سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة
    وهي: تبارك".
    (صحيح الجامع:3644).
    يقول ابن القيم كما في "الروح" صـ 180:
    "فهي تجادل أو تخاصم يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له إلى ربها أن
    ينجِّيه من عذاب النار إذا كانت في جوفه، ويُنجِّي الله بها صاحبها من عذاب
    القبر". أهـ
    ولذلك كان النبي لا ينام حتى يقرأها.
    فقد أخرج الترمذي عن جابر :
    "أن النبي r كان لا ينام حتى يقرأ: {المّ* تَنزِيلُ }، السجدة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}".
    (10) تجنب أسباب عذاب القبر:
    ومن أسباب النجاة من عذاب القبر أن يتجنب العبد كل الأسباب التي تؤدي إلى
    عذاب القبر: مثل: الشرك بالله والكفر به – النفاق – الإعراض عن ذكر الله –
    الكذب – أكل الربا – الزنا – النوم عن الصلاة المكتوبة وهجر القرآن بعد
    تعلُّمِه – جر الإزار خيلاء – حبس الحيوان وتعذيبه – الدَّيْن – اللواط –
    النياحة على الميت – الغلول من الغنيمة – السرقة – الإفطار في رمضان بغير
    عذر – الامتناع عن إرضاع الأولاد بغير عذر – أمر الناس بالبر ونسيان النفس –
    عدم الاستبراء من البول – النميمة – الغيبة – أذي الناس باللسان.
    فكل هذه الأشياء من أسباب عذاب القبر فعلينا أن نتجنبها لننجو جميعاً من عذاب القبر.
    ـ وكذلك علينا أن نتجنب الأسباب التي تؤدي إلى سوء الخاتمة ألا وهي: الشك
    والجحود الذي تسببه البدع، وفساد المعتقد، والنفاق، وحب المعاصي والإصرار
    عليها، وتعلق القلب بغير الله، والانتحار والعدول عن الاستقامة، وتسويف
    التوبة، وحب الدنيا وطول الأمل.

    (11) التوبة الصادقة عند النوم:
    قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتاب "الروح" وهو يذكر أنفع الأسباب المنجية من عذاب القبر:
    ومن أنفعها أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة يحاسب نفسه فيها على
    ما خسره أو ربحه في يومه. ثم يجدد له توبة نصوحاً بينه وبين الله. فينام
    على تلك التوبة ويعزم على ألا يعود إلى الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل
    ليلة، فإذا مات في ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلاً للعمل
    مسروراً بتأخر أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته. أهـ
    وما أجمل أن يختم العبد تلك الساعة بسيد الاستغفار.
    فقد قال r: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني
    وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك
    بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
    قال: ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل
    الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل
    الجنة".
    (البخاري وأحمد والنسائي عن شداد بن أوس).
    (12) الـدُّعــــاء:
    ولا ينبغي أبداً أن يغفل المسلم عن الدعاء.. فالدعاء من أعظم أسباب النجاة في الدنيا والآخرة.
    سمع النبي r رجلاً يقول في التشهد:
    "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك،
    المنَّانُ يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم
    إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار". فقال r لأصحابه: " تدرون بما دعا؟
    قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: والذي نفسي بيده، لقد دعا الله باسمه العظيم
    ـ وفي رواية: الأعظم ـ الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى".


    (أخرجه الحاكم).
    نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وباسمه الأعظم أن ينجينا من عذاب القبر.

    وكان النبي r يتعوذ من عذاب القبر.
    فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي r كان يقول:
    "اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر وفتنة الدنيا وعذاب القبر".
    وعند البخاري من حديث أبي هريرة قال:
    "كان رسول الله r يدعو: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال".


    وللحديث بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ مع "الأدلة على عذاب القبر من القرآن والسُّنَّة "
    وبعد...،
    فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة
    نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله
    سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان على إخراجها ونشرها......إنه
    ولي ذلك والقادر عليه.
    هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان
    فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه
    الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثمّ خطأ
    فاستغفر لي

    وإن وجدت العيب فسد الخللا جلّ من لا عيب فيه وعلا
    فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب
    والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    هذا والله تعالى أعلى وأعلم.........
    سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 15, 2024 4:13 am