سورة مريم
مكية
إلا سجدتها فمدنية أو إلا { فخلف من بعدهم خلف } الآيتين فمدنيتان وهي
ثمان أو تسع وتسعون آية نزلت بعد فاطر بسم الله الرحمن الرحيم
{ كهيعص } الله أعلم بمراده بذلك
هذا { ذكر رحمت ربك عبده } مفعول رحمة { زكريا } بيان له
{ إذ } متعلق برحمة { نادى ربه نداء } مشتمل على دعاء { خفيا } سرا جوف الليل لأنه أسرع للإجابة
{
قال رب إني وهن } ضعف { العظم } جميعه { مني واشتعل الرأس } مني { شيبا }
تمييز محول عن الفاعل أي انتشر الشيب في شعره كما ينتشر شعاع النار في
الحطب وإني أريد أن أدعوك { ولم أكن بدعائك } أي بدعائي إياك { رب شقيا }
أي خائبا فيما مضى فلا تخيبني فيما يأتي
{
وإني خفت الموالي } أي الذين يلوني في النسب كبني العم { من ورائي } أي
بعد موتي على الدين أن يضيعوه كما شاهدته في بني إسرائيل من تبديل الدين {
وكانت امرأتي عاقرا } لا تلد { فهب لي من لدنك } من عندك { وليا } ابنا
{
يرثني } بالجزم جواب الأمر وبالرفع صفة وليا { ويرث } بالوجهين { من آل
يعقوب } جدي العلم والنبوة { واجعله رب رضيا } أي مرضيا عندك
{ يا زكريا إنا نبشرك بغلام } يرث كما سألت { اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا } أي مسمى بيحيى
{
قال رب أني } كيف { يكون لي غلام وكان امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر
عتيا } من عتا يبس أي نهاية السن مائة وعشرين سنة وبلغت امرأته ثمانية
وتسعين سنة وأصل عتي عتو وكسرت التاء تخفيفا وقلبت الواو الأولى ياء
لمناسبة الكسرة والثانية ياء لتدغيم فيها الياء
{
قال } الأمر { كذلك } من خلق غلام منكما { قال ربك هو علي هين } أي بأن
أرد عليك قوة الجماع وأفتق رحم امرأتك للعلوق { وقد خلقتك من قبل ولم تك
شيئا } قبل خلقك ولإظهار الله هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بما
يدل عليها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به
{
قال رب اجعل لي آية } أي علامة على حمل امرأتي { قال آيتك } عليه { ألا
تكلم الناس } أي تمتنع من كلامهم بخلاف ذكر الله { ثلاث ليال } أي بأيامها
كما في آل عمران ثلاثة أيام { سويا } حال من فاعل تكلم أي بلا علة
{
فخزج على قومه من المحراب } أي المسجد وكانوا ينتظرون فتحه ليصلوا فيه
بأمره على العادة { فأوحى } أشار { إليهم أن سبحوا } صلوا { بكرة وعشيا }
أوائل النهار وأواخره على العادة فعلم بمنعه من كلامهم حملها بيحيى وبعد
ولادته بسنتين قال الله تعالى له
{ يا يحيى خذ الكتاب } أي التوراة { بقوة } بجد { وآتيناه الحكم } النبوة { صبيا } بن ثلاث سنين
{ وحنانا } رحمة للناس { من لدنا } من عندنا { وزكاة } صدقة عليهم { وكان تقيا } روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها
{ وبرا بوالديه } أي محسنا إليهما { ولم يكن جبارا } متكبرا { عصيا } عاصيا لربه
{ وسلام } منا { عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا } أي في هذه الأيام المخوفة التي يرى ما لم يره قبلها فهو آمن فيها
{ واذكر في الكتاب } القرآن { مريم } أي خبرها { إذ } حين { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا } أي اعتزلت في مكان نحو الشرق من الدار
{
فاتخذت من دونهم حجابا } أرسلت سترا تستتر به لتفلي رأسها أو ثيابها أو
تغتسل من حيضها { فأرسلنا إليها روحنا } جبريل { فتمثل لها } بعد لبسها
ثيابها { بشرا سويا } تام الخلق
{ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا } فتنتهي عني بتعوذي
قال { قال إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا } بالنبوة
{ قالت أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر } بتزوج { ولم أك بغيا } زانية
{
قال } الأمر { كذلك } من خلق غلام منك من غير أب { قال ربك هو علي هين }
أي بأن ينفخ بأمري جبريل فيك فتحملي به ولكون ما ذكر في معنى العلة عطف
عليه { ولنجعله آية للناس } على قدرتنا { ورحمة منا } لمن آمن به { وكان }
خلقه { أمرا مقضيا } به في علمي فنفخ جبريل في جيب درعها فأحست بالحمل في
بطنها مصورا
{ فحملته فانتبذت } تنحت { به مكانا قصيا } بعيدا من أهلها
{
فأجاءها } جاء بها { المخاض } وجع الولادة { إلى جذع النخلة } لتعتمد عليه
فولدت والحمل والتصوير والولادة في ساعة { قالت يا } للتنبيه { ليتني مت
قبل هذا } الأمر { وكنت نسيا منسيا } شيئا متروكا لا يعرف ولا يذكر
{ فناداها من تحتها } أي جبريل وكان أسفل منها { ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا } نهر ماء كان قد انقطع
{
وهزي إليك بجذع النخلة } كانت يابسة والباء زائدة { تساقط } أصله بتاءين
قلبت الثانية سينا وأذغمت في السين وفي قراءة تركها { عليك رطبا } تمييز {
جنيا } صفته
{
فكلي } من الرطب { واشربي } من السري { وقري عينا } بالولد تمييز محول من
الفاعل أي لتقر عينك به أي تسكن فلا تطمح إلى غيره { فإما } فيه إدغام نون
إن الشرطية في ما الزائدة { ترين } حذفت منه لام الفعل وعينه وألقيت حركتها
على الراء وكسرت ياء الضمير لالتقاء الساكنين { من البشر أحدا } فيسألك عن
ولدك { فقولي إني نذرت للرحمن صوما } أي إمساكا عن الكلام في شأنه وغيره
من الأناسي بدليل { فلن أكلم اليوم إنسيا } أي بعد ذلك
{ فأتت به قومها تحمله } حال فرأوه { قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا } عظيما حيث أتيت بولد من غير أب
{
يا أخت هارون } هو رجل صالح أي يا شبيهته في العفة { ما كان أبوك امرأ سوء
} أي زانيا { وما كانت أمك بغيا } أي زانية فمن أين لك هذا الولد
{ فأشارت } لهم { إليه } أن كلموه { قالوا كيف نكلم من كان } أي وجد { في المهد صبيا }
{ قال إني عبد الله آتاني الكتاب } أي الإنجيل { وجعلني نبيا }
{ وجعلني مباركا أينما كنت } أي نفاعا للناس إخبار بما كتب له { وأوصاني بالصلاة والزكاة } أمرني بهما { ما دمت حيا }
{ وبرا بوالدتي } منصوب يجعلني مقدرا { ولم يجعلني جبارا } متعاظما { شقيا } عاصيا لربه
{ والسلام } من الله { علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا } يقال فيه ما تقدم في السيد يحيى قال تعالى
{
ذلك عيسى بن مريم قول الحق } بالرفع خبر مبتدأ مقدر أي قول بن مريم
وبالنصب بتقدير قلت والمعنى القول الحق { الذي فيه يمترون } من المرية أي
يشكون وهم النصارى قالوا إن عيسى بن الله كذبوا
{
ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه } تنزيها له عن ذلك { إذا قضى أمرا } أي
أراد أن يحدثه { فإنما يقول له كن فيكون } بالرفع بتقدير هو وبالنصب
بتقدير أن ومن ذلك خلق عيسى من غير أب
{
وأن الله ربي وربكم فاعبدوه } بفتح أن بتقدير اذكر وبكسرها بتقدير قل
بدليل { ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم } { هذا }
المذكور { صراط } طريق { مستقيم } مؤد إلى الجنة
{
فاختلف الأحزاب من بينهم } أي النصارى في عيسى أهو بن الله أو إله معه أو
ثالث ثلاثة { فويل } فشدة عذاب { للذين كفروا } بما ذكر وغيره { من مشهد
يوم عظيم } أي حضور يوم القيامة وأهواله
{
أسمع بهم وأبصر } بهم صيغتا تعجب بمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم { يوم
يأتوننا } في الآخرة { لكن الظالمون } من إقامة الظاهر مقام المضمر { اليوم
} أي في الدنيا { في ضلال مبين } أي بين به صموا عن سماع الحق وعموا عن
إبصاره أي اعجب منهم يا مخاطب في سمعهم وإبصارهم في الآخرة بعد أن كانوا في
الدنيا صما عميا
{
وأنذرهم } خوف يا محمد كفار مكة { يوم الحسرة } هو يوم القيامة يتحسر فيه
المسيء على ترك الإحسان في الدنيا { إذ قضى الأمر } لهم فيه بالعذاب { وهم }
في الدنيا { في غفلة } عنه { وهم لا يؤمنون } به
{ إنا نحن } تأكيد { نرث الأرض ومن عليها } من العقلاء وغيرهم بإهلاكهم { وإلينا يرجعون } فيه للجزاء
{ واذكر } لهم { في الكتاب إبراهيم } أي خبره { إنه كان صديقا } مبالغا في الصدق { نبيا } ويبدل من خبره
{
إذ قال لأبيه } آزر { يا أبت } التاء عوض عن ياء الإضافة ولا يجمع بينهما
وكان يعبد الأصنام { لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك } لا يكفيك {
شيئا } من نفع أو ضر
{ يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا } طريقا { سويا } مستقيما
{ يا أبت لا تعبد الشيطان } بطاعتك إياه في عبادة الأصنام { إن الشيطان كان للرحمن عصيا } كثير العصيان
{ يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن } إن لم تتب { فتكون للشيطان وليا } ناصرا وقرينا في النار
{
قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم } فتعيبها { لئن لم تنته } عن التعرض
لها { لأرجمنك } بالحجارة أو بالكلام القبيح فاحذرني { واهجرني مليا } دهرا
طويلا
{
قال سلام عليك } مني أي لا أصيبك بمكروه { سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا
} من حفي أي بارا فيجيب دعائي وقد أوفي بوعده المذكور في الشعراء واغفر
لأبي وهذا قبل أن يتبين له أنه عدو الله كما ذكره في براءة
{
وأعتزلكم وما تدعون } تعبدون { من دون الله وأدعوا } أعبد { ربي عسى أ } ن
{ لا أكون بدعاء ربي } بعبادته { شقيا } كما شقيتم بعبادة الأصنام
{
فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله } بأن ذهب إلى الأرض المقدسة { وهبنا
له } ابنين يأنس بهما { إسحاق ويعقوب وكلا } منهما { جعلنا نبيا }
{ ووهبنا لهم } الثلاثة { من رحمتنا } المال والولد { وجعلنا لهم لسان صدق عليا } رفيعا هو الثناء الحسن في جميع أهل الأديان
{ واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا } بكسر اللام وفتحها من أخلص في عبادته وخلصه الله من الدنس { وكان رسولا نبيا }
{
وناديناه } بقول يا موسى إني أنا الله { من جانب الطور } اسم جبل { الأيمن
} أي الذي يلي يمين موسى حين أقبل من مدين { وقربناه نجيا } مناجيا بأن
أسمعه الله تعالى كلامه
{
ووهبنا له من رحمتنا } نعمتنا { أخاه هارون } بلد أو عطف بيان { نبيا }
حال هي المقصورة بالهبة إجابة لسؤاله أن يرسل أخاه معه وكان أسن منه
{
واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد } لم يعد شيئا إلا وفي به
وانتظر من وعده ثلاثة أيام أو حولا حتى رجع إليه في مكانه { وكان رسولا }
إلى جرهم { نبيا }
{ وكان يأمر أهله } أي قومه { بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا } أصله مرضوو قلبت الواوان ياءين والضمة كسرة
{ واذكر في الكتاب إدريس } هو جد أبي نوح { إنه كان صديقا نبيا }
{ ورفعناه مكانا عليا } هو حي في السماء الرابعة أو السادسة أو السابعة أو في الجنة أدخلها بعد أن أذيق الموت وأحيي ولم يخرج منها
{
أولئك } مبتدأ { الذين أنعم الله عليهم } صفة له { من النبيين } بيان له
وهو في معنى الصفة وما بعده إلى جملة الشرط صفة للنبيين فقوله { من ذرية
آدم } أي إدريس { وممن حملنا مع نوح } في السفينة أي إبراهيم بن ابنه سام {
ومن ذرية إبراهيم } أي إسماعيل وإسحاق ويعقوب { و } من ذرية { إسرائيل }
هو يعقوب أي موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى { وممن هدينا واجتبينا } أي من
جملتهم وخبر أولئك { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا } جمع
ساجد وباك أي فكونوا مثلهم وأصل بكي بكوي قلبت الواو ياء والضمة كسرة
{
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } بتركها كاليهود والنصارى { واتبعوا
الشهوات } من المعاصي { فسوف يلقون غيا } هو واد في جهنم أي يقعون فيه
{ إلا } لكن { من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون } ينقصون { شيئا } من ثوابهم
{
جنات عدن } إقامة بدل من الجنة { التي وعد الرحمن عباده بالغيب } حال أي
غائبين عنها { إنه كان وعده } أي موعوده { مأتيا } بمعنى آتيا وأصله مأتوي
أو موعوده هنا الجنة يأتيه أهله
{
لا يسمعون فيها لغوا } من الكلام { إلا } لكن يسمعون { سلاما } من
الملائكة عليهم أو من بعضهم على بعض { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } أي على
قدرهما في الدنيا وليس في الجنة نهار ولا ليل بل ضوء ونور أبدا
{
تلك الجنة التي نورث } نعطي وننزل { من عبادنا من كان تقيا } بطاعته ونزل
لما تأخر الوحي أياما وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل ما يمنعك أن
تزورنا أكثر مما تزورنا
{
وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا } أي أمامنا من أمور الآخرة {
وما خلفنا } من أمور الدنيا { وما بين ذلك } أي ما يكون في هذا الوقت إلى
قيام الساعة أي له علم ذلك جميعه { وما كان ربك نسيا } بمعنى ناسيا أي
تاركا لك بتأخير الوحي عنك
هو { رب } مالك { السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته } أي اصبر عليها { هل تعلم له سميا } مسمى بذلك لا
{
ويقول الإنسان } المنكر للبعث أبي بن خلف أو الوليد بن المغيرة النازل فيه
الآية { أئذا } بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلها وإدخال ألف بينها بوجهيها
وبين الأخرى { ما مت لسوف أخرة حيا } من القبر كما يقول محمد فالاستفهام
بمعنى النفي أي لا أحيا بعد الموت وما زائدة للتأكيد وكذا اللام ورد عليه
بقوله تعالى
{
أو لا يذكر الإنسان } أصله يتذكر أبدلت التاء ذالا وأدغمت في الذال وفي
قراءة تركها وسكون الذال وضم الكاف { أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا }
فيستدل بالابتداء على الإعادة
{
فوربك لنحشرنهم } أي المنكرين للبعث { والشياطين } أي نجمع كلا منهم
وشيطانه في سلسلة { ثم لنحضرنهم حول جهنم } من خارجها { جثيا } على الركب
جمع جاث وأصله جثوو أو جثوي من جثا يجثو أو يجثي لغتان
{ ثم لننزعن من كل شيعة } فرقة منهم { أيهم أشد على الرحمن عتيا } جراءة
{
ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها } أحق بجنهم الأشد وغيره منهم { صليا }
دخولا واحتراقا فنبدأ بهم وأصله صلوي من صلي بكسر اللام وفتحها
{ وإن } أي ما { منكم } أحد { إلا واردها } أي داخل جهنم { كان على ربك حتما مقضيا } حتمه وقضى به لا يتركه
{ ثم ننجي } مشددا ومخففا { الذين اتقوا } الشرك والكفر منها { ونذر الظالمين } بالشرك والكفر { فيها جثيا } على الركب
{
وإذا تتلى عليهم } أي المؤمنين والكافرين { آياتنا } من القرآن { بينات }
واضحات حال { قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين } نحن وأنتم { خير
مقاما } منزلا ومسكنا بالفتح من قام وبالضم من أقام { وأحسن نديا } بمعنى
النادي وهو مجتمع القوم يتحدثون فيه يعنون نحن فنكون خيرا منكم قال تعالى
{
وكم } أي كثيرا { أهلكنا قبلهم من قرن } أي أمة من الأمم الماضية { هم
أحسن أثاثا } مالا ومتاعا { ورءيا } منظرا من الرؤية فكما أهلكناهم لكفرهم
نهلك هؤلاء
{
قل من كان في الضلالة } شرط جوابه { فليمدد } بمعنى الخبر أي يمد { له
الرحمن مدا } في الدنيا يستدرجه { حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب }
كالقتل والأسر { وإما الساعة } المشتملة على جهنم فيدخلونها { فسيعلمون من
هو شر مكانا وأضعف جندا } أعوانا أهم أم المؤمنون وجندهم الشياطين وجند
المؤمنين عليهم الملائكة
{
ويزيد الله الذين اهتدوا } بالإيمان { هدى } بما ينزل عليهم من الآيات {
والباقيات الصالحات } هي الطاعة تبقى لصاحبها { خير عند ربك ثوابا وخير
مردا } أي ما يرد إليه ويرجع بخلاف أعمال الكفار والخيرية هنا في مقابلة
قولهم أي الفريقين خير مقاما
{
أفرأيت الذي كفر بآياتنا } العاصي بن وائل { وقال } لخباب بن الأرت القائل
له تبعث بعد الموت والمطالب له بمال { لأوتين } على تقدير البعث { مالا
وولدا } فأقضيك قال تعالى
{
أطلع الغيب } أي أعلمه وأن يؤتى ما قاله واستغنى بهمزة الاستفهام عن همرة
الوصل فحذفت { أم اتخذ عند الرحمن عهدا } بأن يؤى ما قاله
{ كلا } أي لا يؤتى ذلك { سنكتب } نأمر بكتب { ما يقول ونمد له من العذاب مدا } نزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره
{ ونرثه ما يقول } من المال والولد { ويأتينا } يوم القيامة { فردا } لا مال له ولا ولد
{ واتخذوا } أي كفار مكة { من دون الله } الأوثان { آلهة } يعبدونهم { ليكونوا لهم عزا } شفعاء عند الله بأن لا يعذبوا
{
كلا } أي لا مانع من عذابهم { سيكفرون } أي الآلهة { بعبادتهم } أي
ينفونها كما في آية أخرى { ما كانوا إيانا يعبدون } { ويكونون عليهم ضدا }
أعوانا وأعداء
{ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين } سلطانهم { على الكافرين تؤزهم } تهيجهم إلى المعاصي { أزا }
{ فلا تعجل عليهم } بطلب العذاب
{ إنما نعد لهم } الأيام والليالي أو الأنفاس { عدا } إلى وقت عذابهم
اذكر { يوم نحشر المتقين } بإيمانهم { إلى الرحمن وفدا } جمع وافد بمعنى راكب
{ ونسوق المجرمين } بكفرهم { إلى جهنم وردا } جمع وارد بمعنى ماش عطشان
{ لا يملكون } أي الناس { الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا } أي شهادة أن لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
{ وقالوا } أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله { اتخذ الرحمن ولدا } قال تعالى لهم
{ لقد جئتم شيئا إذا } أي منكرا عظيما
{
تكاد } بالتاء والياء { السماوات يتفطرن } بالتاء وتشديد الطاء بالانشقاق
وفي قراءة بالنون { منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا } أي تنطبق عليهم من
أجل
{ أن دعوا للرحمن ولدا } قال تعالى
{ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا } أي ما يليق به ذلك
{ إن } أي ما { كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } ذليلا خاضعا يوم القيامة منهم عزير وعيسى
{ لقد أحصاهم وعدهم عدا } فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم ولا واحد منهم
{ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا } بلا مال ولا نصير يمنعه
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } فيما بينهم يتوادون ويتحابون ويحبهم الله تعالى
{
فإنما يسرناه } أي القرآن { بلسانك } العربي { لتبشر به المتقين }
الفائزين بالإيمان { وتنذر } تخوف { به قوما لدا } جمع ألد أي جدل بالباطل
وهم كفار مكة
{
وكم } أي كثيرا { أهلكنا قبلهم من قرن } أي أمة من الأمم الماضية بتكذيبهم
الرسل { هل تحس } تجد { منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا } صوتا خفيا لا فكما
أهلكنا أولئك نهلك هؤلاء